سورة الصافات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تقرير الكلام أن يقال إن هؤلاء المنكرين أقروا بأنه تعالى قادر على تكوين أشياء أصعب من إعادة الحياة إلى هذه الأجساد، وقد تقرر في صرائح العقول أن القادر على الأشق الأشد يكون قادراً على الأسهل الأيسر، ثم مع قيام هذه الحجة البديهية بقي هؤلاء الأقوام مصرين على إنكار البعث والقيامة وهذا في موضع التعجب الشديد فإن مع ظهور هذه الحجة الجلية الظاهرة كيف يعقل بقاء القوم على الإصرار فيه. فأنت يا محمد تتعجب من إصرارهم على الإنكار وهم في طرف الإنكار وصلوا إلى حيث يسخرون منك في قولك بإثبات الحشر والنشر والبعث والقيامة، فهذا هو المراد من قوله: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ}.
المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي {عَجِبْتَ} بضم التاء والباقون بفتحها قال الواحدي: والضم قراءة ابن عباس وابن مسعود وإبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش وقراءة أهل الكوفة واختيار أبي عبيدة، أما الذين قرأوا بالفتح فقد احتجوا بوجوه:
الأول: أن القراءة بالضم تدل على إسناد العجب إلى الله تعالى وذلك محال، لأن التعجب حالة تحصل عند الجهل بصفة الشيء ومعلوم أن الجهل على الله محال والثاني: أن الله تعالى أضاف التعجب إلى محمد صلى الله عليه وسلم في آية أخرى في هذه المسألة فقال: {وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا تراباً} [الرعد: 5]، والثالث: أنه تعالى قال: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ} والظاهر أنهم إنما سخروا لأجل ذلك التعجب فلما سخروا منه وجب أن يكون ذلك التعجب صادراً منه، وأما الذين قرأوا بضم التاء، فقد أجابوا عن الحجة الأولى من وجوه:
الأول: أن القراءة بالضم لا نسلم أنها تدل على إسناد التعجب إلى الله تعالى، وبيانه أنه يكون التقدير قل يا محمد (بل عجبت ويسخرون) ونظيره قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] معناه أن هؤلاء ما تقولون فيه أنتم هذا النحو من الكلام، وكذلك قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار} [البقرة: 175] الثاني: سلمنا أن ذلك يقتضي إضافة التعجب إلى الله تعالى فلم قلتم إن ذلك محال؟ ويروى أن شريحاً كان يختار القراءة بالنصب ويقول العجب لا يليق إلا بمن لا يعلم، قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: إن شريحاً يعجب بعلمه وكان عبد الله أعلم، وكان يقرأ بالضم وتحقيق القول فيه أن نقول: دل القرآن والخبر على جواز إضافة العجب إلى الله تعالى، أما القرآن فقوله تعالى: {وإن تعجب فعجب قولهم} [الرعد: 5] والمعنى إن تعجب يا محمد من قولهم، فهو أيضاً عجب عندي، وأجيب عنه أنه لا يمتنع أن يكون المراد وإن تعجب فعجب قولهم عندكم، وأما الخبر فقوله صلى الله عليه وسلم:
عجب ربكم من إلكم وقنوطكم، وعجب ربكم من شاب ليست له صبوة وإذا ثبت هذا فنقول العجب من الله تعالى خلاف العجب من الآدميين كما قال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله} [الأنفال: 30] وقال: {سَخِرَ الله مِنْهُمْ} [التوبة: 79] وقال تعالى: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] والمكر والخداع والسخرية من الله تعالى بخلاف هذه الأحوال من العباد، وقد ذكرنا أن القانون في هذا الباب أن هذه الألفاظ محمولة على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض. وكذلك هاهنا من تعجب من شيء فإنه يستعظمه فالتعجب في حق الله تعالى محمول على أنه تعالى يستعظم تلك الحالة إن كانت قبيحة فيترتب العقاب العظيم عليه، وإن كانت حسنة فيترتب الثواب العظيم عليه، فهذا تمام الكلام في هذه المناظرة، والأقرب أن يقال القراءة بالضم إن ثبتت بالتواتر وجب المصير إليها ويكون التأويل ما ذكرناه وإن لم تثبت هذه القراءة بالتواتر كانت القراءة بفتح التاء أولى، والله أعلم.


{وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)}
اعلم أنه تعالى لما قرر الدليل القاطع في إثبات إمكان البعث والقيامة حكى عن المنكرين أشياء أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يتعجب من إصرارهم على الإنكار وهم يسخرون منه في إصراره على الإثبات، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مع أولئك الأقوام كانوا في غاية التباعد وفي طرفي النقيض.
وثانيها قوله: {وَإِذَا ذُكّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ}.
وثالثها قوله: {وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً يَسْتَسْخِرُونَ} ويجب أن يكون المراد من هذا الثاني والثالث غير الأول لأن العطف يوجب التغاير ولأن التكرير خلاف الأصل، والذي عندي في هذا الباب أن يقال القوم كانوا يستبعدون الحشر والقيامة ويقولون: من مات وصار تراباً وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه؟ وبلغوا في هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يسخرون ممن يذهب إلى هذا المذهب وإذا كان كذلك فلا طريق إلى إزالة هذا الاستبعاد عنهم إلا من وجهين:
أحدهما: أن يذكر لهم الدليل الدال على صحة الحشر والنشر مثل أن يقال لهم: هل تعلمون أن خلق السموات والأرض أشد وأصعب من إعادة إنسان بعد موته؟ وهل تعلمون أن القادر على الأصعب الأشق يجب أن يكون قادراً على الأسهل الأيسر؟ فهذا الدليل وإن كان جلياً قوياً إلا أن أولئك المنكرين إذا عرض على عقولهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها، وإذا ذكروا لم يذكروها لشدة بلادتهم وجهلهم، فلا جرم لم ينتفعوا بهذا النوع من البيان.
الطريق الثاني: أن يثبت الرسول صلى الله عليه وسلم جهة رسالته بالمعجزات ثم يقول لما ثبت بالمعجز كوني رسولاً صادقاً من عند الله فأنا أخبركم بأن البعث والقيامة حق، ثم إن أولئك المنكرين لا ينتفعون بهذا الطريق أيضاً لأنهم إذا رأوا معجزة قاهرة وآية باهرة حملوها على كونها سحراً وسخروا بها واستهزؤا منها وهذا هو المراد من قوله: {وإذ رأوا آية يستسخرون} فظهر بالبيان الذي ذكرناه أن هذه الألفاظ الثلاثة منبهة على هذه الفوائد الجليلة.
واعلم أن أكثر الناس لم يقفوا على هذه الدقائق، فقالوا إنه تعالى قال: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ} [الصافات: 12].
ثم قال: {وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً يَسْتَسْخِرُونَ} فوجب أن يكون المراد من قوله: {يَسْتَسْخِرُونَ} غير ما تقدم ذكه من قوله: {وَيَسْخُرُونَ} فقال هذا القائل المراد من قوله: {وَيَسْخُرُونَ} إقدامهم على السخرية والمراد من قوله: {يَسْتَسْخِرُونَ} طلب كل واحد منهم من صاحبه أن يقدم على السخرية وهذا التكليف إنما لزمهم لعدم وقوفهم على الفوائد لتي ذكرناها، والله أعلم والرابع: من الأمور التي حكاها الله تعالى عنهم أنهم قالوا: {إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} يعني أنهم إذا رأوا آية ومعجزة سخروا منها، والسبب في تلك السخرية اعتقادهم أنها من باب السحر وقوله: {مُّبِينٌ} معناه أن كونه سحراً أمر بين لا شبهة لأحد فيه، ثم بين تعالى أن السبب الذي يحملهم على الاستهزاء بالقول بالبعث وعلى عدم الالتفات إلى الدلائل الدالة على صحة القول وعلى الاستهزاء بجميع المعجزات هو قولهم إن الذي مات وتفرقت أجزاؤه في جملة العالم فما فيه من الأرضية اختلط بتراب الأرض وما فيه من المائية والهوائية اختلط ببخارات العالم فهذا الإنسان كيف يعقل عوده بعينه حياً فاهماً؟ فهذا الكلام هو الذي يحملهم على تلك الأحوال الثلاثة المتقدمة، ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذه الشبهة قال: قل يا محمد نعم وأنتم داخرون وإنما اكتفى تعالى بهذا القدر من الجواب لأنه ذكر في الآية المتقدمة بالبرهان اليقيني القطعي أنه أمر ممكن وإذا ثبت الجواز القطعي فلا سبيل إلى القطع بالوقوع إلا بإخبار المخبر الصادق، فلما قامت المعجزات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم كان واجب الصدق فكان مجرد قوله: {قُلْ نَعَمْ} دليلاً قاطعاً على الوقوع. ومن تأمل في هذه الآيات علم أنها وردت على أحسن وجوه الترتيب، وذلك لأنه بين الإمكان بالدليل العقلي وبين وقوع ذلك الممكن بالدليل السمعي، ومن المعلوم أن الزيادة على هذا البيان كالأمر الممتنع.
أما قوله: {أَوَ ءابَاؤُنَا} فالمعنى أو تبعث آباؤنا وهذه ألف الاستفهام دخلت على حرف العطف وقرأ نافع وابن عامر هاهنا، وفي سورة الواقعة ساكنة الواو وذكرنا الكلام في هذا في سورة الأعراف عن قوله: {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى} [الأعراف: 98].
أما قوله تعالى: {قُلْ نَعَمْ} فنقول قرأ الكسائي وحده (نعم) بكسر العين.
أما قوله تعالى: {وَأَنتُمْ داخرون} أي صاغرون، قال أبو عبيد الدخور أشد الصغار، وذكرنا تفسير هذه اللفظة عند قوله: {سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ داخرون} [النحل: 48].


{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)}
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة ما يدل على إمكان البعث والقيامة، ثم أردفه بما يدل على وقوع القيامة، ذكر في هذه الآيات بعض تفاصيل أحوال القيامة، وأنه تعالى ذكر في هذه الآية أنواعاً من تلك الأحوال فالحالة الأولى: قوله تعالى: {فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ واحدة فَإِذَا هُمْ ينظرون} وفيه أبحاث:
البحث الأول: قوله: {فَإِنَّمَا} جواب شرط مقدر والتقدير إذا كان كذلك فما هي إلا زجرة واحدة.
البحث الثاني: الضمير في قوله: {فَإِنَّمَا هِىَ} ضمير على شريطة التفسير، والتقدير فإنما البعث زجرة واحدة.
البحث الثالث: الزجرة في اللغة الصيحة التي يزجر بها كالزجرة بالنعم والإبل عند البحث ثم كثر استعمالها حتى صارت بمعنى الصيحة وإن لم يكن فيها معنى الزجر كما في هذه الآية وأقول لا يبعد أن يقال إن تلك الصيحة إنما سميت زجرة لأنها تزجر الموتى عن الرقود في القبور وتحثهم على القيام من القبور والحضور في موقف القيامة، فإذا عرفت هذا فنقول المراد من هذه الزجرة ما ذكره الله تعالى في قوله: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68] فبالنفخة الأولى يموتون وبالنفخة الثانية يحيون ويقومون، وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: ما الفائدة في هذه الصيحة فإن القوم في تلك الساعة أموات لأن النفخة جارية مجرى السبب لحياتهم فتكون مقدمة على حصول حياتهم فثبت أن هذه الصيحة إنما حصلت حال كون الخلق أمواتاً، فتكون تلك الصيحة عديمة الفائدة فهي عبث والعبث لا يجوز في فعل الله والجواب: أما أصحابنا فيقولون يفعل الله ما يشاء، وأما المعتزلة فقال القاضي فيه وجهان الأول: أن تعتبر بها الملائكة الثاني: أن تكون الفائدة التخويف والإرهاب.
السؤال الثاني: هل لتلك الصيحة تأثير في إعادة الحياة؟
الجواب: لا، بدليل أن الصيحة الأولى استعقبت الموت والثانية الحياة وذلك يدل على أن الصيحة لا أثر لها في الموت ولا في الحياة، بل خالق الموت والحياة هو الله تعالى كما قال: {الذى خَلَقَ الموت والحياة} [الملك: 2].
السؤال الثالث: تلك الصيحة صوت الملائكة أو الله تعالى يخلقها ابتداء؟
الجواب: الكل جائز إلا أنه روي أن الله تعالى يأمر إسرافيل حتى ينادي: أيتها العظام النخرة والجلود البالية والأجزاء المتفرقة اجتمعوا بإذن الله تعالى: اللفظ الرابع: من الألفاظ المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} فيحتمل أن يكون المراد ينظرون ما يحدث بهم ويحتمل ينظر بعضهم إلى بعض وأن يكون المراد ينظرون إلى البعث الذي كذبوا به الحالة الثانية: من وقائع القيامة ما أخبر الله عنهم أنهم بعد القيام من القبور قالوا: {ياويلنا هذا يَوْمُ الدين} قال الزجاج: الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة والمقصود أنهم لما شاهدوا القيامة قالوا: {هذا يَوْمُ الدين} أي يوم الجزاء هذا، والمقصود أن الله تعالى ذكر في آيات كثيرة من القرآن، أنا نرى في الدنيا محسناً ومسيئاً وعاصياً وصديقاً وزنديقاً، ورأينا أنه لم يصل إليهم في الدنيا ما يليق بهم من الجزاء فوجب القول بإثبات القيامة: {لِيَجْزِىَ الذين أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} [النجم: 31] وبالجملة فهذا يدل على أن الجزاء إنما يحصل بعد الموت، والكفار وإن سمعوا هذا الدليل القوي لكنهم أنكروا وتمردوا ثم إنه تعالى إذا أحياهم يوم القيامة فإذا شاهدوا القيامة يذكرون ذلك اليوم ويقولون: {هذا يَوْمُ الدين} أي يوم الجزاء الذي ذكر الله الدلائل الكثيرة عليه في القرآن فكفرنا بها، ونظيره أن من خوف بشيء ولم يتلفت إليه، ثم عاينه بعد ذلك فقد يقول هذا يوم الواقعة الفلانية فكذا هاهنا، وفيه احتمال آخر وهو أنه تعالى قال في سورة الفاتحة {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] فبين أنه لا مالك في ذلك اليوم إلا الله فقولهم هذا يوم الدين، إشارة إلى أن هذا هو اليوم الذي لا حكم فيه لأحد إلا لله، وإنما ذكروه لما حصل في قلوبهم من الخوف الشديد.
أما قوله تعالى: {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} ففيه بحثان:
الأول: اختلفوا في أن هذا هو من بقية كلام الكفار أو يقال تم كلامهم عند قوله تعالى: {هذا يَوْمُ الدين}.
وأما قوله: {هذا يَوْمُ الفصل} فهو كلام غيرهم، فبعضهم قال بالأول وزعم أن قوله: {هذا يَوْمُ الفصل} الآية من كلام بعضهم لبعض، والأكثرون على القول الثاني واحتجوا بوجهين:
الأول: أن قوله: {كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} من كلام بعضهم لبعض خطاب مع جميع الكفار فقائل هذا القول لابد وأن يكون غير الكفار الثاني: أن قوله: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} [الصافات: 22] منسوق على قوله: {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} فلما كان قوله: {احشروا الذين ظلموا} كلام غير الكفار فكذلك قوله: {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} يجب أن يكون كلام غير الكفار، وعلى هذا التقدير فقوله: {هذا يَوْمُ الدين} من كلام الكفار، وقوله: {هذا يَوْمُ الفصل} من كلام الملائكة جواباً لهم، والوجه في كونه جواباً لهم أن أولئك الكفار، إنما اعتقدوا في أنفسهم كونهم محقين في إنكار دعوة الأنبياء عليهم السلام وكونهم محقين في تلك الأديان الفاسدة فقالوا: {هذا يَوْمُ الدين} أي هذا اليوم الذي يصل فيه إلينا جزاء طاعتنا وخيراتنا، فالملائكة يقولون لهم إنه لا اعتبار بظواهر الأمور في هذا اليوم فإن هذا اليوم يفصل فيه الجزاء الحقيقي عن الجزاء الظاهري وتميز فيه الطاعات الحقيقية عن الطاعات المقرونة بالرياء والسمعة فبهذا الطريق صار هذا الكلام من الملائكة جواباً لما ذكره الكفار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8